كيف تبتعد عن الغيبة؟ تعرف على أبرز طرق الوقاية في الإسلام

الغيبة في الإسلام: خطرها وآثارها وطرق الوقاية منها الإسلام، باعتباره دينا شاملا وكاملا، يعنى بكل جوانب الحياة الإنسانية، بدءا من العقيدة والشريعة، وصولا إلى الأخلا…

كيف تبتعد عن الغيبة؟ تعرف على أبرز طرق الوقاية في الإسلام
المؤلف عمرنا
تاريخ النشر
آخر تحديث

الغيبة في الإسلام: خطرها وآثارها وطرق الوقاية منها

الإسلام، باعتباره دينا شاملا وكاملا، يعنى بكل جوانب الحياة الإنسانية، بدءا من العقيدة والشريعة، وصولا إلى الأخلاق والسلوكيات اليومية. هذا الدين العظيم جاء ليخاطب العقل والروح في آن واحد، مشيرا إلى الطريق الأمثل لتحقيق سعادة الإنسان ونجاحه في الدنيا والآخرة. إذا، الإسلام ليس مجرد مجموعة من الأحكام والتشريعات، بل هو منهج حياة متكامل يسعى إلى تحقيق التوازن بين الروحانية والواقع الملموس، في إطار من القيم التي ترشد الإنسان إلى الفضيلة والعدل.

وفي هذا الإطار، شرع الإسلام العديد من الأحكام والتوجيهات التي تضمن حياة أفضل للفرد والمجتمع على حد سواء. هذه التشريعات لا تقتصر فقط على العبادات، بل تشمل أيضا الجوانب الاجتماعية والنفسية التي تساهم في تعزيز التماسك الاجتماعي والروح الجماعية. ومن بين هذه التشريعات التي حذر منها الإسلام بشدة، تأتي الغيبة، التي اعتبرها من الكبائر التي تؤثر سلبا على الفرد والمجتمع معا. الغيبة هي من الأمور التي تهدم الروابط الإنسانية وتزرع الفتن، حيث تفرغ القلب من الفضائل وتؤدي إلى تفكك المجتمعات. وعلى الرغم من أن الغيبة قد تكون في ظاهرها حديثا عابرا، إلا أنها في الواقع تعد آفة خطيرة تتسلل إلى النفوس وتؤثر على سلوكيات الأفراد والمجتمعات، مما يضر بمبدأ التكافل والتعاون بين المسلمين.

الإسلام يصر على أن المسلم يجب أن يلتزم بحسن الظن بالآخرين، ويشجع على التعاون والتسامح، بينما يحذر من الغيبة التي تعد من الأخلاق الذميمة التي تفسد العلاقات بين الأفراد وتضر بالمجتمع.

ما هي الغيبة؟

الغيبة هي أن يتحدث شخص عن عيب أو نقص في شخص آخر في غيابه، وذلك دون مبرر أو رضى من المعني بالأمر. بمعنى آخر، هي إظهار عيوب الآخرين والتشهير بهم في غيابهم، سواء بالكلام المباشر أو عن طريق الإشارة أو حتى الكتابة. هذه الممارسة تعتبر نوعا من أنواع القذف الذي يهدف إلى انتقاص سمعة الآخرين والتسبب في الأذى النفسي لهم. والغيبة ليست فقط محظورة في الإسلام، بل هي من الكبائر التي يحذر منها بشدة في القرآن الكريم والسنة النبوية.

وقد ذكر القرآن الكريم في سورة الحجرات تحذيرا شديدا ضد الغيبة، حيث قال الله تعالى: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} [الحجرات: 12]. هذه الآية الكريمة تظهر الفظاعة التي تحملها الغيبة، حيث شبه الله -عز وجل- الغيبة بأكل لحوم الناس وهم أموات، وهو أمر مرفوض ومقزز لا يرضاه أحد. هذا التشبيه القوي يوضح بجلاء مدى بشاعة الغيبة في الإسلام، ويؤكد على ضرورة تجنبها في العلاقات بين المسلمين.

تعتبر الغيبة من الأفعال التي تضر بالفرد والمجتمع على حد سواء، إذ تخلق التوتر والعداوة بين الناس، وتعمل على هدم الثقة المتبادلة، مما يؤدي إلى ضعف الروابط الاجتماعية والتفكك في المجتمع. لذا، يجب على المسلم أن يتجنب هذه العادة السيئة وأن يتحلى بحسن الظن بالآخرين، ويعمل على بناء مجتمع قائم على المودة والتعاون.

الأدلة من القرآن والسنة على تحريمه الغيبة

الغيبة في الإسلام تعد من الكبائر التي حذر منها الله تعالى في كتابه الكريم، وكذا في سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم. وقد وردت عدة نصوص واضحة في القرآن والسنة تحذر من هذه العادة السيئة وتحذر من آثارها السلبية على الفرد والمجتمع.

في القرآن الكريم، نجد تحذيرا واضحا ضد الغيبة في قوله تعالى: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [الحجرات: 12]، حيث شبه الله سبحانه وتعالى الغيبة بأكل لحوم الناس وهم موتى، ليبين بذلك بشاعتها وحرمتها. هذا التشبيه يوضح أن الغيبة أمر غير مقبول في الإسلام، وأن تأثيرها السلبي يتجاوز مجرد الحديث عن الشخص إلى ما يلحقه من ضرر نفسي واجتماعي.

أما في الحديث الشريف، فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم تعريف الغيبة وكيفية وقوعها. فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح رواه مسلم: «أتدرون ما الغيبة؟» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «ذكرك أخاك بما يكره». هذا الحديث يوضح لنا أن الغيبة هي أن تذكر شخصا في غيابه بما يكرهه، سواء كان ذلك بذكر عيوبه أو ما ينقص من مكانته في نظر الآخرين. وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث على أن الغيبة هي تصرف مرفوض ومحرم يجب اجتنابه.

وفي حديث آخر، يبين النبي صلى الله عليه وسلم الفرق بين الغيبة والبهتان، حيث يقول: «إنما الغيبة أن تذكر أخاك بما يكره، فإن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته». هذا الحديث يوضح أن الغيبة هي الحديث عن شخص في غيابه بما هو حقيقة، أما إذا كانت الأقاويل كذبا أو افتراء، فهي "بهتان"، وهو نوع أشد من الغيبة وأكثر ضررا. البهتان لا يقتصر على الحديث عن الشخص بما يكرهه، بل يتعداه إلى الكذب والتلفيق، مما يؤدي إلى تشويه صورة الشخص وإلحاق الأذى به بطرق أكثر فظاعة.

وعليه، فإن الغيبة تشمل كل قول أو فعل يقصد به الإساءة إلى شخص آخر، سواء كان ذلك بالكلام، أو عبر الإشارة، أو الكتابة، أو حتى من خلال وسائل الإعلام الحديثة. وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الأفعال المؤذية، ودعا إلى الحفاظ على حقوق الآخرين واحترام مشاعرهم.

آثار الغيبة وعواقبها

الغيبة تعد من الأفعال السيئة التي تضر بالفرد والمجتمع على حد سواء، وليس فقط بالشخص الذي يتم الحديث عنه، بل أيضا بالشخص الذي يمارس هذه العادة المحرمة. على الرغم من أن الغيبة قد تبدو في بعض الأحيان كحديث عابر، إلا أن آثارها السلبية تمتد لتؤثر بشكل عميق على الحياة الدينية والأخلاقية للمغتاب.

أولا، المغتاب يخسر حسناته بشكل غير مرئي. ففي الواقع، كلما قام المغتاب بالحديث عن شخص آخر بما يكرهه، فإن حسناته تنتقل إلى ذلك الشخص المتضرر. وهذا ما يعتبر من أخطر العواقب التي تترتب على الغيبة، حيث يجد الشخص نفسه في يوم القيامة أمام محاسبة قد لا يكون في استطاعته تحمل تبعاتها. ورد في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا... فيعطى هذا من حسناته، وإذا فنيت حسناته، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه». هذا الحديث يبين بوضوح أن المغتاب قد يفاجأ يوم القيامة بإنقاص حسناته، وإذا فنيت، يتم تحميله خطايا الآخرين.

من جهة أخرى، الغيبة قد تؤدي إلى فقدان الشخص فرصته في الحصول على مغفرة الله سبحانه وتعالى. ففي حالة عدم التوبة والندم على ما بدر من الشخص من غيبة، قد يحشر في النار، كما ورد في بعض الأحاديث الشريفة. ومن هنا يظهر الضرر الأكبر في الغيبة، إذ ليس فقط يحرم المغتاب من الأجر، بل قد يعرض نفسه للعقاب الأبدي إذا لم يتب ويتدارك خطأه.

بالإضافة إلى ذلك، فإن ممارسة الغيبة تسبب تدمير العلاقات الاجتماعية وتفكيك الروابط الإنسانية بين الأفراد. كما أنها تزرع في النفس الكراهية والعداوة، مما يساهم في خلق بيئة سلبية لا يرحم فيها الناس بعضهم بعضا.

لذلك، يجب على المسلم أن يكون حذرا في استخدام لسانه وألا ينسى أن كل كلمة ينطق بها محسوبة عليه أمام الله تعالى. ينبغي أن يتجنب الغيبة تماما ويسعى لابتكار طرق أكثر إيجابية للتعامل مع الآخرين، بما يرضي الله سبحانه وتعالى ويحقق المصلحة العامة للمجتمع.

كيفية الوقاية من الغيبة

الغيبة من الأفعال المحرمة التي قد يقع فيها المسلم دون أن يشعر أحيانا، لذا من المهم أن يتبع المسلم عدة وسائل للوقاية منها والتحصن ضدها. فيما يلي بعض الطرق التي يمكن من خلالها تجنب الوقوع في الغيبة:
  • الاستحضار الدائم: يجب على المسلم أن يتذكر دائما خطورة الغيبة وعواقبها الوخيمة، كما ورد في القرآن الكريم، حيث شبهها الله تعالى بأكل لحم أخيه ميتا: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [الحجرات: 12]. تذكر هذه الحقيقة والآية الكريمة بشكل مستمر يساعد على ردع النفس عن الحديث في أعراض الناس، ويجعل المسلم حريصا على عدم الوقوع في هذا الفعل السيئ.
  • الاستغفار والتوبة: إذا وقع المسلم في الغيبة، عليه أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى ويستغفر، ويعزم على عدم العودة إلى هذا الفعل مرة أخرى. قال الله تعالى في كتابه الكريم: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف: 201]. هذا يبين أهمية التوبة والرجوع إلى الله في حال الخطأ، والتوجه إلى الله بخشوع وندم على ما بدر من المسلم.
  • النهي عن الغيبة: إذا سمع المسلم شخصا يغتاب آخر، يجب عليه أن ينهى عن هذا الفعل ويحاول إيقافه فورا. إذا استمر الشخص في الغيبة، فيجب على المسلم أن يغادر المجلس ويبتعد عن المكان الذي يحدث فيه هذا التصرف السيء. كان من سلوك السلف الصالح أن ينهوا عن الغيبة فور سماعها، بل وكانوا يتركون المجالس إذا استمر الحديث في أعراض الناس، مثلما كان يفعل ميمون بن سياه وغيره من الأئمة. هذا السلوك يعكس أهمية حماية النفس والمجتمع من هذا الفعل المحرم.
  • الإكثار من مجالسة الصالحين: يعتبر الجلوس مع الأشخاص الذين يلتزمون بآداب الكلام ويتجنبون الغيبة من أساليب الوقاية الفعالة. من خلال هذه المجالس، يتعلم المسلم كيفية التحكم في لسانه وتجنب الحديث عن الناس بشكل سلبي. المجتمع الذي يتسم بالالتزام بأخلاقيات الإسلام يساعد الفرد على التحلي بالفضائل والابتعاد عن الرذائل.
  • الدعاء: الدعاء من الوسائل التي تعين المسلم على الابتعاد عن المعاصي والذنوب. من الأدعية التي يمكن أن تساعد في الوقاية من الغيبة: "اللهم احفظ ألسنتنا عن الحرام"، فالدعاء هو سلاح المسلم للتقرب إلى الله وحماية نفسه من الذنوب والمعاصي. الإكثار من الدعاء يساهم في تطهير القلب واللسان، ويعزز الوعي الديني والروحانية.
بإتباع هذه النصائح والوسائل، يستطيع المسلم أن يقي نفسه من الوقوع في الغيبة ويعيش حياة متوازنة تتسم بالاحترام والعدالة في التعامل مع الآخرين.

الخاتمة

إنّ الغيبة من أكثر الأمور التي تساهم في فساد المجتمع المسلم، فهي تفتك بالعلاقات الإنسانية وتزرع العداوة والبغضاء بين الأفراد. إن الغيبة ليست فقط من الآفات الأخلاقية التي تضر بالفرد، بل تمتد آثارها لتؤثر على المجتمع ككل، إذ تزعزع الثقة وتخلق بيئة من الشكوك والخصومات. لذلك، يجب على كل مسلم أن يتجنب الغيبة وأن يتذكر عواقبها الوخيمة في الدنيا والآخرة.

المؤمن الصادق هو من يحرص على حماية لسانه، ويحسن إلى الآخرين في غيابهم، ويتجنب ذكرهم بما يكرهون. إن تقوى الله ومراقبته في السر والعلن هما السبيل للحفاظ على اللسان وتجنب السلوكيات السيئة مثل الغيبة، لأن المسلم الذي يخشى الله في قلبه لا يقدم على الحديث في أعراض الآخرين إلا بما يرضي الله.

وفي الختام، نسأل الله تعالى أن يحفظ ألسنتنا من الخطايا، وأن يغفر لنا ولإخواننا المسلمين، وأن يرزقنا القدرة على التوبة والابتعاد عن كل ما يغضب الله. اللهم آمين.

تعليقات

عدد التعليقات : 0